لمحة من كتاب : سيكولوجية الجماهير لجوستاف لوبون

من الكتب المهمة لفهم كيفية التعامل مع الجماهير وقيادتها كتاب “سيكولوجية الجماهير” (Psychologie des foules) للمفكر الفرنسي جوستاف لوبون (Gustave Le Bon) والذي نُشر في 1895.

جوستاف لوبون

جوستاف لوبون في الجزائر (1880)

يقوم الكاتب بفحص وتفسير طبع وسلوك الجمهور. كما يقترح نتائج مهمة لنظريته على الصعيد الإجتماعي والسياسي.

نال هذا الكتاب إعجاب عديد رجال الدولة والسياسة من كل الإتجاهات في القرن العشرين. كما كان له تأثير في تطور فهم علم نفس الجماهير من عدد من المفكرين (سيجموند فرويد مثلا في كتابه : علم نفس الجماهير). إضافة إلى ذلك، يتميز الكتاب بسلاسة خطابه وسهولة أسلوبه وهو ما يجعله في متناول كل قارئ مهتم بفهم ديناميكيات الفعل الإجتماعي والسياسي.
من بين الأفكار المهمة للكاتب :

فكر الجماهير

َ المجموعات البشرية المتشكلة كجماهير تسقط دائما فريسة لقوى طاغية تتجاوز الفرد كاللاوعي والروح الثقافية والتقليدية للمجموعة… وهي قد تتجاوز الإعتبارات العقلانية والنفعية فإذا بها تنخرط في مذابح دموية أو في حملات صليبية مجنونة. يمكن إذن إعتبار الجمهور البشري كائنا جديدا مختلفا ذا نفسية تتجاوز الأفراد المكونين له. يفكر الجمهور عبر مجموعة من الصور المتعاقبة دون أي ترابط. هذه الصور تتشكل من بعض الأفكار الأساسية المشكلة للعمق التاريخي والجمعي للمجموعة.

مذبحة سان بارتيليمي

مذبحة سان بارتيليمي في باريس 1572، رسم فرانسوا دوبوا

مثال ذلك هو أن الجماهير في شكلها اللاتيني (فرنسا مثلا) تنادي دائما بتدخل الدولة وبمزيد من العدالة، بينما تريد الجماهير الأنجلوسكسونية (الولايات المتحدة مثلا) مزيدا من الحرية والحد من تسلط الدولة. هذه النزعات نجدها في كل المستويات والفئات بشكل أو بآخر داخل هذه الفضائات الحضارية.

تطور التاريخ الحديث أصبح مرتبطا بالفعل اللاواعي للجماهير

يعتقد لوبون أن أوروبا في تحولها التدريجي نحو الديمقراطية أعطت لأول مرة قيادة التاريخ للجماهير وأخرجت النخبة من الحكم، فأصبح الملوك والأمراء والقادة تابعين لتقلبات الرأي العام ولضغط الجماهير. بينما ظهر قادة جدد من داخل الجماهير تشبعوا أكثر من غيرهم بروح الجماعة وإمتلكوا الإعتبار الذي يجعل بإمكانهم توجيه طاقة الجمهور الهائلة في الإتجاه الذي يريدونه.
يقول لوبون أن قادة الجماهير ليسوا رجال فكر، ولا يمكنهم أن يكونوا، بل هم رجال فعل. لذلك هم في الأغلب قليلو الفهم والإدراك وقصيرو النظر. حتى أن أغلبهم في الواقع هم من المهتاجين أو على حافة الجنون. وهم في تعلقهم بفكرهم أو إيديولوجيتهم لا تقف أمامهم محاججة ولا دليل. حتى أنهم قد يضحون بمصالحهم وحياتهم وعائلاتهم إذا لزم الأمر.
كذلك هم لا يحتاجون لكتابة الكتب أو محاججة المنافسين. إنهم في خطابهم يؤكدون دون نقاش، يكررون دون ملل، ويشحنون مريديهم بطاقتهم وتفاؤلهم وإيمانهم وإعتبارهم الكبير داخل المجموعة.

يضيف لوبون أن قادة الجماهير هم من يبعثون حركات التاريخ الهائلة، وليس الأدباء والفلاسفة.

نتائج تسلط الجماهير

يؤكد جوستاف لوبون أن الفعل الجماهيري في تسلطه هو ما يسبب غالبا سقوط الحضارات الهرمة (الحضارة العربية أو الرومانية مثلا). ذلك أن الجمهور هو في أساسه كائن أقل عقلانية، أكثر تطرفا وعاطفية من الأفراد المكونين له. وهو بالتالي في تسلطه الرهيب يحطم الإنضباط والعقلانية والثقافة وغيرها من العناصر الضرورية للحضارة.
من أجل إنقاذ الحضارة من المصير المظلم الذي يخشاه، يعطي الكاتب خلاصة تحليله لأنواع الجماهير التي رآها، كما يعطي إقتراحات للتنظيم السياسي والإجتماعي المناسب لترشيد طاقة الجماهير داخل النظم السياسية والإجتماعية للأمم الأوروبية الحديثة بما يتلائم مع القيم الديمقراطية.

للمزيد :

[1] سيكولوجية الجماهير، النسخة الفرنسية الأصلية،

Psychologie des foules, Project Gutenberg

[2] سيكولوجية الجماهير، النسخة الإنجليزية

The Crowd: A Study of the Popular Mind by Gustave Le Bon, Project Gutenberg