كيف ستكون النهاية : مقتطفات من الأسطورة والأدب
هل ستكون النهاية إعصارا يهز الأرض والجماد والحياة ؟ أم ستكون جنونا يتملك البشر والكائنات فتأكل بعضها بعضا ؟ أم مرضا يحيق بالجميع كتسونامي لا يمكن إيقافه؟
ملصق دعاية لجوزيف بينيل (Joseph Pennell) في الحرب العالمية الأولى يصور مدينة نيويورك تتعرض للقصف وتغرق في عاصفة نارية.
في ما يلي بعض الإجابات من الأسطورة والأدب العالمي
ملحمة راكناروك، أو عندما تتصارع الآلهة ويندثر البشر
“
…
ستنفجر القيود ويتحرر الذئب
أعرف الكثير من ما كان ومن ما سيكون
عن مصير الآلهة في معركة راجناروك
سيتقاتل الإخوة ويقتل بعضهم بعضا
سيدنس أبناء العم صلة القرابة
ستتحول الأرض لبيت دعارة عظيم
عصر الفأس، عصر السيف، عصر إنكسار الدروع
عصر العاصفة، عصر الذئب، عصر انهيار العالم
عندما لن يرحم البشر بعضهم
…
“
قصيدة فولسبا، أُلفت في القرن العاشر أو الحادي عشر في سكاندينافيا
قصيدة فولسبا هي من أهم القصائد الأسطورية ألسكاندينافية في العصر الوسيط. وفيه ترد العرافة المكناة ب”فولفا” على أسئلة الاله أودين عن نشأة العالم ومصيره. تصف كذلك ما سيقع عندما يتحد أعداء الآلهة من أجل الهيمنة على الحياة والطبيعة والقضاء على الآلهة. هنا نصل إلى معركة راكناروك الفاصلة التي ستشهد موت معظم الآلهة كأودين وطور ولوكي، وكذلك العمالقة وأغلب البشر.
معركة راكناروك كما تصورها فريدريتش ويلهلم هاينه (Friedrich Wilhelm Heine) : أودين يوجه رمحه نحو الفم المفتوح للذئب فينرير ، ويدافع طور ضد الثعبان يورمونغاند بدرع بينما يمسك بمطرقته. ميولنير فريير وسورتر يتحاربون وسط معركة هائلة حولهم (1882).
غير أن هذه ليست نهاية الكون. ستكون هناك ولادة جديدة بفضل بعض الآلهة (بالدر وهوث) والبشر الناجين من راكناروك. وسيقومون معا بإعادة إعمار العالم وإيصاله لعصر ذهبي جديد.
كان لهذا الأسطورة تأثير على عدد من الرواة والباحثين في العصور الحديثة والمعاصرة، من بينهم مثلا جون رونالد تولكين (J. R. R. Tolkien)، الذي إستعار عددا من الأسماء الواردة في الأسطورة أثناء كتابة مؤلفه الشهير “الهوبيت” (The Hobbit).
الوباء
عبر التاريخ، كان للمرض والوباء أكبر الأثر في صياغة التاريخ. من ذلك أن بداية ركود الإمبراطورية الرومانية تزامن تقريبا مع الطاعون الأنطوني (165 ـ 190م) الذي تسبب في موت ثلث سكان الإمبراطورية تقريبا في بعض المناطق. كذلك كان لطاعون جوستنيان والموت الأسود نفس التأثير الكارثي في فترات أخرى.
ليس من الغريب إذن أن عددا مهما من الإنتاجات الأدبية تخيلت مصير الحضارة والعالم نتيجة لوباء كارثي:
+الطاعون القرمزي (The Scarlet Plague) لجاك لوندون (Jack London) : وهي رواية خيالية لجاك لوندون نشرت عام 1912. يتخيل الكاتب إنتشار وباء فتاك وخروجه عن السيطرة : إذ أنه يتسبب في موت الضحية ثلاثين دقيقة فقط بعد ظهور أول الأعرإض. كما أن إنتشاره بسرعة هائلة لم يعط الوقت الكافي لإيجاد أي علاج له. نتيجة لذلك، لا ينجو من المرض سوى واحد من كل مليون شخص تقريبا.
بسبب هذه الحصيلة الكارثية، تندثر الحضارة تماما، كما تختفي معها كل أنواع المعرفة والثقافة. حتى اللغات المستعملة بين الناجين النادرين ترتد إلى أشكال أكثر بدائية من ذلك إختفاء عدد كبير من الكلمات كاللون القرمزي مثلا من معجم الكلمات السائدة لدى جيل الشباب، وتتراجع النظم الإجتماعية إلى صيغ قبلية بدائية.
+ الطاعون (La peste) لألبرت كامي (Albert Camus)
تعتبر هذه الرواية (1947) من أشهر أعمال الكاتب الفرنسي ألبير كامي، وتمت ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات وكذلك إلى أعمال سينيمائية ومسرحية عديدة.
يتخيل الكاتب وبائا ينتشر فجأة في مدينة وهران زمن الإستعمار الفرنسي. بعد تردد كبير، تقوم السلطات بإجرائات لإعاقة إنتشار الوباء منها غلق المدينة.
يصف الكاتب أثر الوباء على المجتمع في وهران بين معاناة المرضي والمحتضرين، وتأقلم الأحياء مع واقعهم المرير. فنرى الأب بانتولو (père Paneloux) مثلا يخطب في الكنيسة مدعيا أن الوباء عقاب إلهي للبشر على خطاياهم، بينما لا يتحمل البعض الوضع فيحاول الهرب من المدينة سرا، أو يطلق النار على المارين من نافذة بيته. اثناء ذلك يقوم البعض بمحاولات جبارة للمقاومة وإيجاد حلول عملية للوضع.
لهذه الرواية بعد فلسفي ونفسي أيضا : ففيها نرى مواضيع مهمة كالحب والأنانية والتكافل والجبن والشجاعة والمقاومة والإستسلام أمام أحداث تتجاوز الأفراد وتسحقهم أحيانا. كما تنتهي بالإحتفال بالحياة والإنسان:
“ثم قرر الدكتور ريو كتابة هذه القصة، حتى لا يكون من فئة الصامتين، ويشهد لصالح ضحايا الطاعون وما تعرضوا له من ظلم وعنف. و ليقول ببساطة ما يتعلمه الإنسان في خضم الآفات : أن ما يثير الإعجاب لدى الإنسان أكثر من ما يستدعي الإحتقار.”
الفصل الأخير من رواية الطاعون
لمواصلة القراءة
مقارنات الأوبئة وروح المجتمع.. هكذا تنبأ ألبير كامو بمجتمع كورونا، الجزيرة 3/5/2020
قصيدة فولسبا في نسختها الأصلية مع الترجمة والتفسير بالإنجليزية